فصل: (سورة محمد: الآيات 22- 23):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ} أى جدّ. والعزم والجد لأصحاب الأمر. وإنما يسندان إلى الأمر إسنادا مجازيا. ومنه قوله تعالى: {إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}. فلو صدقوا اللَّهَ فيما زعموا من الحرص على الجهاد. أو: فلو صدقوا في إيمانهم وواطأت قلوبهم فيه ألسنتهم.

.[سورة محمد: الآيات 22- 23]:

{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوليْتُم أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (22) أولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وأعمى أَبْصارَهُمْ (23)}.
{عسيت} و{عسيتم}: لغة أهل الحجاز. وأما بنوتميم فيقولون: عسى أن تفعل. وعسى أن تفعلوا. ولا يلحقون الضمائر: وقرأ نافع بكسر السين وهو غريب. وقد نقل الكلام من الغيبة إلى الخطاب على طريقة الالتفات. ليكون أبلغ في التوكيد. فإن قلت: ما معنى: {فهل عسيتم أن تفسدوا في الأرض}؟ قلت: معناه: هل يتوقع منكم الإفساد؟ فإن قلت: فكيف يصح هذا في كلام اللّه عز وعلا وهو عالم بما كان وما يكون؟ قلت: معناه إنكم- لما عهد منكم- أحقاء بأن يقول لكم كل من ذاقكم وعرف تمريضكم ورخاوة عقدكم في الإيمان: يا هؤلاء. ما ترون؟ هل يتوقع منكم إن توليتم أمور الناس وتأمرتم عليهم لما تبين منكم من الشواهد ولاح من المخايل {أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ} تناحرا على الملك وتهالكا على الدنيا؟ وقيل: إن أعرضتم وتوليتم عن دين رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وسنته أن ترجعوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من الإفساد في الأرض: بالتغاور والتناهب. وقطع الأرحام:
بمقاتلة بعض الأقارب بعضا ووأد البنات؟ وقرئ: {وليتم}. وفي قراءة على بن أبى طالب رضى اللّه عنه: {توليتم}. أى: إن تولاكم ولاة غشمة خرجتم معهم ومشيتم تحت لوائهم وأفسدتم بإفسادهم؟ وقرئ: {وتقطعوا}. {وتقطعوا}. من التقطيع والتقطع {أولئِكَ} إشارة إلى المذكورين {لَعَنَهُمُ اللَّهُ} لإفسادهم وقطعهم الأرحام. فمنعهم ألطافه وخذلهم. حتى صموا عن استماع الموعظة. وعموا عن إبصار طريق الهدى. ويجوز أن يريد بالذين آمنوا: المؤمنين الخلص الثابتين. وأنهم يتشوفون إلى الوحى إذا أبطأ عليهم. فإذا أنزلت سورة في معنى الجهاد: رأيت المنافقين فيما بينهم يضجرون منها.

.[سورة محمد: آية 24]:

{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (24)}.
{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ} القرآن ويتصفحونه وما فيه من المواعظ والزواجر ووعيد العصاة. حتى لا يجسروا على المعاصي. ثم قال: {أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها} وأم بمعنى بل وهمزة التقرير. للتسجيل عليهم بأن قلوبهم مقفلة لا يتوصل إليها ذكر. وعن قتادة: إذا واللّه يجدوا في القرآن زاجرا عن معصية اللّه لوتدبروه. ولكنهم أخذوا بالمتشابه فهلكوا. فإن قلت: لم نكرت القلوب وأضيفت الأقفال إليها؟ قلت: أما التنكير ففيه وجهان: أن يراد على قلوب قاسية مبهم أمرها في ذلك.
أويراد على بعض القلوب: وهي قلوب المنافقين. وأما إضافة الأقفال. فلانه يريد الأقفال المختصة بها. وهي أقفال الكفر التي استغلقت فلا تنفتح. وقرئ: {إقفالها}. على المصدر.

.[سورة محمد: الآيات 25- 28]:

{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سول لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (25) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالوا لِلَّذِينَ كَرِهوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (27) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (28)}.
{الشَّيْطانُ سول لَهُمْ} جملة من مبتدإ وخبر وقعت خبرا لأن. كقولك: إنّ زيدا عمرومرّ به. {سول لهم}: سهل لهم ركوب العظائم. من السول وهو الاسترخاء. وقد اشتقه من السؤل من لا علم له بالتصريف والاشتقاق جميعا {وَأَمْلى لَهُمْ} ومدّ لهم في الامال والأمانى. وقرئ {وأملى لهم}. يعنى: إنّ الشيطان يغويهم وأنا أنظرهم. كقوله تعالى: {أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ} وقرئ: {وأملى لهم} على البناء للمفعول. أى: أمهلوا ومدّ في عمرهم. وقرئ: {سول لهم}. ومعناه: كيد الشيطان زين لهم على تقدير حذف المضاف. فإن قلت: من هؤلاء؟ قلت: اليهود كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم من بعد ما تبين لهم الهدى. وهو نعته في التوراة. وقيل: هم المنافقون.
الذين قالوا القائلون: اليهود. والذين كرهوا ما نزل اللّه: المنافقون. وقيل عكسه. وأنه قول المنافقين لقريظة والنضير: {لئن أخرجتم لنخرجنّ معكم}. وقيل {بَعْضِ الْأَمْرِ}: التكذيب برسول اللّه صلى الله عليه وسلم. أو بلا إله إلا اللّه. أوترك القتال معه. وقيل: هو قول أحد الفريقين للمشركين: سنطيعكم في التظافر على عداوة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والقعود عن الجهاد معه. ومعنى {فِي بَعْضِ الْأَمْرِ} في بعض ما تأمرون به. أو في بعض الأمر الذي يهمكم {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ} وقرئ: {إسرارهم} على المصدر. قالوا ذلك سرا فيما بينهم. فأفشاه اللّه عليهم. فكيف يعملون وما حيلتهم حينئذ؟ وقرئ: {توفاهم}. ويحتمل أن يكون ماضيا. ومضارعا قد حذفت إحدى تاءيه. كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ} وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما: لا يتوفى أحد على معصية اللّه إلا يضرب من الملائكة في وجهه ودبره ذلِكَ إشارة إلى التوفي الموصوف {ما أَسْخَطَ اللَّهَ} من كتمان نعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. و{رِضْوانَهُ} الإيمان برسول اللّه.

.[سورة محمد: الآيات 29- 30]:

{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (29) ولو نشاء لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ ولتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القول وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (30)}.
{أَضْغانَهُمْ} أحقادهم وإخراجها: إبرازها لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين. وإظهارهم على نفاقهم وعداوتهم لهم. وكانت صدورهم تغلي حنقا عليهم {لَأَرَيْناكَهُمْ} لعرفناكهم ودللناك عليهم. حتى تعرفهم بأعيانهم لا يخفون عليك {بِسِيماهُمْ} بعلامتهم: وهو أن يسمعهم اللّه تعالى بعلامة تعلمون بها. وعن أنس رضى اللّه عنه: ما خفى على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية شيء من المنافقين: كان يعرفهم بسيماهم. ولقد كنا في بعض الغزوات وفيها تسعة من المنافقين يشكوهم الناس. فناموا ذات ليلة وأصبحوا وعلى جبهة كل واحد منهم مكتوب: هذا منافق. فإن قلت: أى فرق بين اللامين في {فَلَعَرَفْتَهُمْ} و{لتَعْرِفَنَّهُمْ}. قلت: الأولى هي الداخلة في جواب (لو) كالتي في {لَأَرَيْناكَهُمْ} كررت في المعطوف. وأما اللام في و{لتَعْرِفَنَّهُمْ} فواقعة مع النون في جواب قسم محذوف فِي {لَحْنِ} القول في نحوه وأسلوبه. وعن ابن عباس: هو قولهم: ما لنا إن أطعنا من الثواب؟ ولا يقولون: ما علينا إن عصينا من العقاب. وقيل: اللحن: أن تلحن بكلامك. أى: تميله إلى نحومن الأنحاء ليفطن له صاحبك كالتعريض والتورية. قال:
ولقد لحنت لكم لكيما تفقهوا ** واللّحن يعرفه ذو والألباب

.[سورة محمد: آية 31]:

{ولنبلونكم حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (31)}.
{أَخْبارَكُمْ} ما يحكى عنكم وما يخبر به عن أعمالكم. ليعلم حسنها من قبيحها. لأن الخبر على حسب المخبر عنه: إن حسنا فحسن. وإن قبيحا فقبيح. وقرأ يعقوب: {ونبلو}. بسكون الواو على معنى: ونحن نبلو أخباركم. وقرئ: {وليبلونكم} {ويعلم}. {ويبلو} بالياء. وعن الفضيل: أنه كان إذا قرأها بكى وقال: اللهم لا تبلنا. فإنك إن بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا وعذبتنا.

.[سورة محمد: آية 32]:

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرسول مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (32)}.
{وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ} التي عملوها في دينهم يرجون بها الثواب. لأنها مع كفرهم برسول اللّه صلى الله عليه وسلم باطلة. وهم قريظة والنضير. أوسيحبط أعمالهم التي عملوها. والمكايد التي نصبوها في مشاقة الرسول. أى: سيبطلها فلا يصلون منها إلى أغراضهم. بل يستنصرون بها ولا يثمر لهم إلا القتل والجلاء عن أوطانهم. وقيل هم رؤساء قريش. والمطعمون يوم بدر.

.[سورة محمد: آية 33]:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرسول ولا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (33)}.
{ولا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ} أى لا تحبطوا الطاعات بالكبائر. كقوله تعالى: {لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} إلى أن قال: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ} وعن أبى العالية: كان أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضر مع الإيمان ذنب. كما لا ينفع مع الشرك عمل. حتى نزلت {ولا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ} فكانوا يخافون الكبائر على أعمالهم.
وعن حذيفة: فخافوا أن تحبط الكبائر أعمالهم. وعن ابن عمر: كنا ترى أنه ليس شيء من حسناتنا إلا مقبولا. حتى نزل {ولا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ} فقلنا: ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا: الكبائر الموجبات والفواحش. حتى نزل {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ} فكففنا عن القول في ذلك. فكنا نخاف على من أصاب الكبائر ونرجو لمن لم يصبها.
وعن قتادة رحمه اللّه: رحم اللّه عبدا لم يحبط عمله الصالح بعمله السيئ. وقيل: لا تبطلوها بمعصيتهما. وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما: لا تبطلوها بالرياء والسمعة. وعنه: بالشك والنفاق: وقيل: بالعجب. فإنّ العجب يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. وقيل: ولا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى.

.[سورة محمد: آية 34]:

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34)}.
{ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ} قيل. هم أصحاب القليب. والظاهر العموم.

.[سورة محمد: آية 35]:

{فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ ولنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (35)}.
{فَلا تَهِنُوا} ولا تضعفوا ولا تذلوا للعدو ولا {تَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ} وقرئ: {السلم} وهما المسالمة {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} أى الأغلبون الأقهرون {وَاللَّهُ مَعَكُمْ} أى ناصركم. وعن قتادة: لا تكونوا أول الطائفتين ضرعت إلى صاحبتها بالموادعة. وقرئ: {ولا تدّعوا}. من ادّعى القوم وتداعوا: إذا دعوا. نحو قولك: ارتموا الصيد وتراموه. وتدعوا: مجزوم لدخوله في حكم النهى. أو منصوب لإضمار إن. ونحو قوله تعالى: {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ}: قوله تعالى: {إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى}. {ولنْ يَتِرَكُمْ} من وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا من ولد أوأخ أوحميم. أوحربته. وحقيقته: أفردته من قريبه أو ماله. من الوتر وهو الفرد فشبه إضاعة عمل العامل وتعطيل ثوابه بوتر الواتر. وهو من فصيح الكلام. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «من فاتته صلاة العصر. فكأنما وتر أهله وماله» أى أفرد عنهما قتلا ونهبا.

.[سورة محمد: الآيات 36- 38]:

{إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ ولهو وإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ ولا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (36) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (37) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الفقراء وَإِنْ تَتَولوا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (38)}.
{يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} ثواب إيمانكم وتقواكم {ولا يَسْئَلْكُمْ} أى ولا يسألكم جميعها. إنما يقتصر منكم على ربع العشر. ثم قال: {إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ} أى يجهدكم ويطلبه كله. والإحفاء:
المبالغة وبلوغ الغاية في كل شيء. يقال: أحفاه في المسألة إذا لم يترك شيئا من الإلحاح.
وأحفى شاربه: إذا استأصله.
{تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ} أى تضطغنون على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. وتضيق صدوركم لذلك. وأظهرتم كراهتكم ومقتكم لدين يذهب بأموالكم. والضمير في {يُخْرِجْ} للّه عز وجل. أى يضغنكم بطلب أموالكم. أوللبخل. لأنه سبب الاضطغان.
وقرئ: {نخرج}. بالنون. و{يخرج}. بالياء والتاء مع فتحهما ورفع {أضغانكم}.
{هؤُلاءِ} موصول بمعنى الذين صلته {تُدْعَوْنَ} أى أنتم الذين تدعون. أو أنتم يا مخاطبون هؤلاء الموصوفون. ثم استأنف وصفهم. كأنهم قالوا: وما وصفنا؟ فقيل: تدعون {لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قيل: هي النفقة في الغزو. وقيل: الزكاة. كأنه قيل: الدليل على أنه لوأحفاكم لبخلتم وكرهتم العطاء واضطغنتم أنكم تدعون إلى أداء ربع العشر. فمنكم ناس يبخلون به. ثم قال: {وَمَنْ يَبْخَلْ} بالصدقة وأداء الفريضة. فلا يتعداه ضرر بخله. وإنما {يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} يقال بخلت عليه وعنه. وكذلك ضننت عليه وعنه. ثم أخبر أنه لا يأمر بذلك ولا يدعواليه لحاجته إليه. فهو الغنى الذي تستحيل عليه الحاجات. ولكن لحاجتكم وفقركم إلى الثواب.
{وَإِنْ تَتَولوا} معطوف على: {وإن تؤمنوا وتتقوا}.
{يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} يخفق قوما سواكم على خلاف صفتكم راغبين في الإيمان والتقوى. غير متولين عنهما. كقوله تعالى: {وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} وقيل: هم الملائكة. وقيل: الأنصار. وعن ابن عباس: كندة والنخع. وعن الحسن: العجم وعن عكرمة: فارس والروم. وسئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن القوم وكان سلمان إلى جنبه. فضرب على فخذه وقال: «هذا وقومه. والذي نفسي بيده. لوكان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس» وعن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة محمد صلى الله عليه وسلم كان حقا على اللّه أن يسقيه من أنهار الجنة». اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَيَقول الَّذِينَ ءَآمنوا لولا نُزَّلِتْ سُورَةٌ}.
كان المؤمنون إذا تأخر نزول القرآن اشتاقوا إليه وتمنوه ليعلموا أوامر الله وتعبده لهم.
{فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ} وفي قراءة ابن مسعود: {فإذا أنزلت سورة محدثة وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ}.
في السورة المحكمة قولان:
أحدهما: أنها التي يذكر فيها الحلال والحرام. قاله ابن زياد النقاش.
الثاني: أنها التي يذكر فيها القتال: وهي أشد القرآن على المنافقين. قاله قتادة.
ويحتمل:
ثالثًا: أنها التي تضمنت نصوصًا لم يتعقبها ناسخ ولم يختلف فيها تأويل:
{رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} هم المنافقون. لأن قلوبهم كالمريضة بالشك. فإذا أنزلت السورة المحكمة سر بها المؤمنون وسارعوا إلى العمل بما فيها. واغتم المنافقون ونظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{نَظَرَ الْمَغْشِّيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوتِ} غمًا بها وفزعًا منها.
{فَأولى لَهُمْ} فيه وجهان: